-A +A
محمد الساعد
هل وصل الاقتصاد السعودي لنقطة القاع، كما توصف عادة الأسواق التي تصاب بحالة ركود أو تراجع في أدائها، أم لا يزال أمامه رحلة طويلة للوصول إلى تلك النقطة التي يعاود الصعود منها، وبالتالي نحن أمام جولات صعبة يجب علينا إدراك طريقة التعامل معها حتى لا نجد أنفسنا أمام حالة شلل اقتصادي لا سمح الله.

ومتى يصبح قادرا على التشافي، وتعويم نفسه والعودة مرة أخرى إلى نقطة التوازن، بين حجم الإيرادات والمصروفات، إثر سلسلة طويلة من إجراءات التقشف وشد الحزام.


تقول المؤشرات الأولية – وإن كانت غير مدققة- إن حجم العجز في الميزانية القادمة المزمع إعلانها خلال أيام، يراوح في منطقة الـ300 مليار ريال، وهو يمثل 30% تقريبا من متوسط ميزانيات المملكة طوال العقد الماضي، بمعنى أننا لم نستطع إلا توفير ثلثي حاجاتنا المالية مع كل ما قدمته الإدارة المالية من أفكار وتضحيات.

ماذا لو لم تتخذ تلك الإجراءات، هل كنا سنصل إلى عجز يتجاوز نصف الميزانية أو يزيد، لست هنا في وارد التثبت من نجاح تلك الإجراءات من عدمها، فالوقت مبكر للحكم عليها، لكنني من المؤمنين بضرورة إعادة هيكلة الاقتصاد، وتحويله إلى اقتصاد منتج للمال، بطرق مبتكرة غير نفطية، وهو ما تم البدء به فعليا.

بالطبع الدول تحقق مداخيلها من طريقين لا ثالث لهما، الثروات الطبيعية، أو الضرائب والرسوم، والوصول لنظام ضريبي متكامل، هو هدف نسير إليه لا محالة، والارتهان للنفط، خطأ يجب أن يتجاوزه الاقتصاد، ويقفز إلى سفينة الاقتصاد المتنوع، القادر على تحصيل مداخيله، دون الوقوف في سوق النفط للتحريج عليه.

نعم كان للنفط فضل كبير بعد الله على التنمية، وتطوير بلد مترامي الأطراف بني كل شيء فيه من الصفر، لكن الوقت قد حان للتخلص منه، أو الوصول معه إلى اتفاق «جنتل مان»، لتقاعد مبكر لا يزيد على عشر سنوات أخرى من اليوم.

بالطبع سيختلف الكثير حول أهمية الرسوم والضرائب، وهل هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تقدم عليها الإدارة الاقتصادية في المملكة، بالطبع هناك نظريات عديدة، لكنها كلها تصب في نهاية الأمر في تحصيل أرباح من نتائج نجاح الخطط الاقتصادية مهما تم تجميلها.

فصناعة اقتصاد حيوي، يولد الفرص المالية والوظيفية، ويساعد في جلب الاستثمارات، وينمي الأسواق، ويحدث الطفرات، هو واجب الحكومات لا شك في ذلك، لكن في المقابل على الأفراد وأصحاب الأعمال التفاعل مع الأزمات، كتفاعلهم مع فترات الازدهار الاقتصادي.

ويأتي ذلك بإعادة التموضع، والاستجابة للتحديات، والمواءمة السريعة مع السوق، فالاقتصاد الريعي لا يعني التحول إلى بكائيات اقتصادية، ولا توسلات مالية، ففي الدول الفقيرة اقتصادات واستثمارات ونجاحات، ومصانع وشركات، تعمل بدون مساعدة مباشرة من دولها.

أتذكر في العام 2008 عندما حدثت أزمة الرهن العقاري في أمريكا، ولحقها بعض الدول الخليجية، قامت بعض الشركات والمؤسسات العاملة في دبي، بالخروج من نطاق الإمارة التي تضررت نتيجة الأزمة، إلى الأسواق المحيطة ومن ضمنها السعودية.

كان تحركا ذكيا، يبقي الصناعة قائمة، مع التحول إلى أسواق لم تتضرر، مع الاحتفاظ بحق العودة للسوق الأصلية متى ما حصل التعافي، وهذا ما حدث تماما.

اليوم على القطاع الخاص السعودي، أن يبحث هو عن حلول خلاقة، إما يقدمها كمسار مواز لما تطرحه الدولة، من برامج ومشاريع للخروج من الأزمة، أو يساعد نفسه كقطاع تجاري وصناعي، للنهوض من عثرته التي تعثر فيها، بدلا من انتظار النجدة التي قد تطول المسافة بها.